تشغيل موسيقىإيقاف تشغيل
scripichnyi_kliuch
logo
globus
تشغيل موسيقىإيقاف تشغيل
العربية
languages
  • arrow
    arrow

    ي مكان رحبٍ وجميل يعزف فيه الصمت كأنه موسيقى ويهبّ فيه نسيم عذب كأنه العسل في عذوبته، تقع هناك بحيرة ساحرة. عند كلّ صباح، وفوق المياه الزرقاء الصافية للبحيرة، يتفتّح جمعٌ من زهور اللوتس الرائعة، يتمتّعن بالعالم الجميل من حولهنّ ويتشاركن جميعًا هذه السعادة. كلّ واحدة من زهور اللوتس تلك كانت فريدة في جمالها ونُبلها وألقها : كانت هناك منهنّ البيضاء، والوردية، والحمراء، وحتّى الصفراء، والزرقاء،...وكانت مياه البحيرة الساحرة تعكس جمالهنّ.

     
    وفي أحد الأيام حدث شيء غير معتاد في تلك البحيرة... 

  • arrow
    arrow

    في مكان رحبٍ وجميل يعزف فيه الصمت كأنه موسيقى ويهبّ فيه نسيم عذب كأنه العسل في عذوبته، تقع هناك بحيرة ساحرة. عند كلّ صباح، وفوق المياه الزرقاء الصافية للبحيرة، يتفتّح جمعٌ من زهور اللوتس الرائعة، يتمتّعن بالعالم الجميل من حولهنّ ويتشاركن جميعًا هذه السعادة. كلّ واحدة من زهور اللوتس تلك كانت فريدة في جمالها ونُبلها وألقها : كانت هناك منهنّ البيضاء، والوردية، والحمراء، وحتّى الصفراء، والزرقاء،...وكانت مياه البحيرة الساحرة تعكس جمالهنّ.

    وفي أحد الأيام حدث شيء غير معتاد في تلك البحيرة...

    لقد تكلمت زهرة اللوتس البيضاء الكبرى إلى البذور الصغيرة التي رأت النور وبدأت تنضج في الميسم الواقع في قلبها : 
    "بناتي العزيزات! الآن أنتنّ أصبحتنّ ناضجات، وآن الأوان لكي تشقّ كلّ منكنّ طريقها. أمام كلّ واحدة منكنّ رحلة شاقّة ومحفوفة بالمخاطر، ولكن في نهاية الرحلة بإمكانها أن تصبح زهرة جميلة ومتألّقة بجمال وألق سكّان عالمنا. ولكن لن يكون بإمكانكنّ كلّكنّ إتمام هذه الرحلة إلى النهاية بنجاح والعودة إلى المنزل الأمّ. 
    لذا استمعن إليّ بانتباه، لأنّ ما سأقوله لكنّ هو حكمة قديمة تمّ توارثها جيلاً بعد جيل...

     

  • arrow
    arrow

    داخل كلّ واحدة منكنّ تقبع ثلاثة كنوز لا تُشترى حتّى بالذهب. عندما تكنّ في خطر، إن كنتنّ قادرات على تذكّر هذه الكنوز الثلاثة، ستتمكّنّ من تجاوز أخطر الصعاب. هذه الكنوز الثلاثة هي

    zhen

    الصبر

    shan

    الرحمة

    ren

    الحق

    ليس هناك وضعيّة لا يمكن لهذه الكنوز الثلاثة أن تنقذكنّ فيها. هذه الكنوز الثلاثة مُخبّأة في الكتابات القديمة على شكل رموز. ولكن استمعن إليّ، سأقول لكنّ المزيد..."- وهمست زهرة اللوتس البيضاء الكبرى بنصيحتها الأخيرة للبذور.

    وأخيرًا قالت لهنّ :"أنا أثق في كلّ واحدة منكنّ، وسأكون بانتظاركنّ عندما تعُدن أخيرًا إلى منزلكنّ وتُشرقن على سطح مياه البحيرة الساحرة 

  • arrow
    arrow

    عند المساء، أحنى الميسم رأسه على صفحة الماء، وسقطت كلّ البذور في مياه البحيرة الساحرة. كانت إحدى البذور أسرع من الأخريات ؛ وكانت تتساءل في نفسها :"ترى لِمَ قالت زهرة اللوتس البيضاء الكبرى أنّ طريقنا لن يكون سهلاً ؟ الماء نقيّ وصافٍ، ويمكنني أن أرى حتّى انعكاس الشمس في هذا الصفاء." لقد كانت البذرة الصغيرة بريئة جدّا ولم تكن تعلم أن السقوط إلى الأسفل أصعب بكثير من الصعود إلى الأعلى.

    وكلّما غاصت البذرة الصغيرة إلى الأعماق أكثر، كلّما أصبح الماء مظلمًا وقاتمًا أكثر، إلى أن أصبح كلّ ما حولها طينًا ووحلاً. فأنّت بذرة اللوتس الصغيرة باكية :"أوه ! لا أستطيع رؤية شيء هنا !" ولكنها واصلت السقوط وغاصت أعمق وأعمق في الوحل...ومن شدّة خوفها أغمضت عينيها. 

  • arrow
    arrow

    بعد مرور بعض الوقت، قرّرت البذرة الصغيرة أن

    تفتح عينًا، ثمّ فتحت العين الأخرى، لكنها ظلّت غير قادرة على رؤية أيّ شيءٍ. "أين سأذهب الآن ؟ أين طريق منزلي ؟ كيف سأتمكّن من العودة ؟" وكأنّ الإجابة على سؤالها أتتها إذ سمعت أصواتًا غريبة، خشنة ومُتهدّجة ؛ وكان هناك شيء مّا، مظلم وطويل، يُسرع باتّجاهها.

    حينها تمكّنت البذرة الصغيرة من الرؤية : لقد كان تمساحًا ضخم الهيئة. لقد كان اسم الحيوان مكتوبًا فوق ظهره، ولكن في ذلك المكان الحالك كان من المستحيل قراءة ما هو مكتوب. وأخذ ذلك الكائن يتكلّم بصوت قادم من الأعماق ومُرعب :"أيّتها البذرة الصغيرة ! أيّتها البذرة الصغيرة ! لقد كنت أنتظرك. هناك حياة جديدة تنتظرك. وأنا أودّ أن أقدّم لك نصيحة ثمينة

  • arrow
    arrow

    مكن أن تعرض لك مختلف الوضعيّات في الحياة. يمكن أحيانًا أن يصطدم بك أحدهم على سبيل الخطأ- فعلى كلّ حال المكان مظلمٌ جدّا هنا- ويمكن أيضًا أن يقول لك أحدهم شيئًا سيّئًا أو جارحًا بسبب مزاجه السيّء- وفي معظم الأحيان سكّان عالمنا هنا يكون مزاجهم سيّئًا-، عندما يحدث ذلك لا تتركي الأمر أبدًا يمرّ ببساطة، أرجعي لهم المكيال بمكيالين أو ثلاثة، اضربي بأشدّ ما تستطيعين من قوّة، لكي يعرف الآخرون..."وواصل الكائن الغريب حديثه بحماس.

    كانت البذرة الصغيرة خائفة كثيرًا، وفكّرت في نفسها :"ربما يكون الأمر هكذا بالفعل، وإلاّ فكيف يمكن للمرء أن يعيش في هذا المكان الكريه بغير تلك الطريقة ؟" ولكنها فجأة تذكّرت كلمات زهرة اللوتس البيضاء الكبرى، وفكّرت :"إن اتّبعتُ نصيحة هذا الكائن، سأبقى هنا للأبد ولن أغادر هذا المكان القذر، ولن يمرّ وقت طويل حتى أصبح قبيحة المنظر كبقيّة سكان هذا العالم 

  • arrow
    arrow

    ولكنّ تمساح الأعماق، ذلك المخلوق المتوحش، أخذ يقترب منها شيئًا فشيئًا. لو أنّ

    البذرة الصغيرة كانت قد اتّبعت ولو جزءًا صغيرًا من نصيحته، لكان التمساح قضم قطعة صغيرة منها- ففي ذلك العالم لا شيء يُعطى مجانًا، ولا حتّى النصائح- لو أنّ ذلك حصل لما ظلّت البذرة الصغيرة قادرة على الرجوع وعلى أن تصير زهرة جميلة على البحيرة الساحرة.

    "كلّ مشكلة لا بدّ لها من حلّ مّا ! كلّ مشكلة لا بدّ لها من حلّ مّا !" هذا ما كانت البذرة الصغيرة تردّده في نفسها. وفجأة تذكّرت ما أسرّته زهرة اللوتس البيضاء الكبرى بشأن الكنوز الثلاثة 

  • arrow
    arrow

    "تذكّرن دائمًا أنه في أعماق كلّ واحدة منكنّ تختبئ ثلاثة كنوز متلألئة وذات قدرة عجيبة  

    zhen

    الصبر

    shan

    الرحمة

    ren

    الحق

    عندما يحين الوقت، هذه الكنوز الثلاثة ستساعدكنّ." 
    في تلك اللحظة وقعت معجزة !

    في نفس اللحظة التي رفضت فيها البذرة الصغيرة الأخذ بالنصيحة السيئة، لمع شعاع مضيء من الرحمة وغمرها بنوره، مثل النجمة البراقة التي تُنير ما حولها. وفي ذلك الحين أصبح اسم الوحش المكتوب على ظهره واضحًا للعيان :"الشرّ". وإذا بقوّة غريبة تدفع البذرة الصغيرة فجأةً إلى الأعلى، كما لو كانت على متن أرجوحة عظيمة

  • arrow
    arrow

    وتدريجيّا، ظهر عالم جديد مختلف تماما عن سابقه. لقد صار عالم الظلمات السحيقة في القاع بعيدًا جدّا الآن، وألفت البذرة الصغيرة نفسها في جوّ رماديّ داكن.

    لقد كان بإمكان البذرة الصغيرة أن تتنفّس بسهولة أكثر الآن. ونظرت حولها، وسرعان ما أدركت شيئًا مّا :"أوه ! لقد نمت لي بتلتان ! هذا رائع ! أنا بصدد التّحوّل إلى زهرة 

    حقيقية !"

    ولكنّ فرحتها لم تدم طويلاً 

  • arrow
    arrow

    فمن داخل ذلك المحيط الداكن انبثق علجوم لزج مغطّى بالبثور، وجدّف باتّجاه البذرة بسيقانه الضخمة المكفّفة، ونقّ قائلاً :"مرحبًا بك في عالمنا أيتها البذرة الصغيرة ! قواعدنا هنا بسيطة : كلّ يعيش لنفسه، لا نُساعد أحدًا. كلّ واحد يُحافظ على مصالحه الخاصّة، مهما يكن الثمن ؛ ومن أجل تلك الغاية بإمكان المرء أن يكذب أيضًا. إن فعلتِ شيئًا خاطئًا، بكلّ بساطة حمّلي مسؤولية الخطأ شخصًا آخر. إذا كنت ستتقاسمين بعض الحلوى مع شخص آخر افعلي ذلك كالتالي : خمسة قطع حلوى لك، وقطعة واحدة للشخص الآخر..."

    اتّسعت عينا البذرة الصغيرة دهشة ممّا سمعته، وبقيت تنظر مُرتاعة إلى المخلوق الذي تفوّه بهذه الأشياء الغريبة. كم كانت تلك الأشياء مختلفة عمّا علّمتها إيّاه زهرة اللوتس البيضاء الكبرى ! 

  • arrow
    arrow

    هذه المرة أتت في ذهنها فكرة الكنوز الثلاثة بشكل أسرع من المرّة الفارطة، لأنّ البقاء في العالم الرمادي الداكن والعيش وفق قواعد هذا العلجوم كان أبعد ما يكون عمّا تتوق إليه البذرة الصغيرة. في تلك الآونة أضاء قبس كنز الحقّ كشعاع منارة. وأتت غلالة واقية غطّت البذرة الصغيرة ودفعتها إلى الأعلى، في الوقت الذي انكشف فيه للعيان ما كان مكتوبًا على ظهر العلجوم :"الغشّ".  
    وجدت البذرة الصغيرة الآن نفسها في عالم معتّم غائم، ولكنها كانت تُحرّك بسعادة بتلاتها الستّة من حولها ! نعم ! لقد تضاعف عدد البتلات الآن ثلاث مرّات، لأنه مع كلّ انتصار، كانت البذرة

    الصغيرة تصبح أقوى. وصار بإمكانها الآن أن ترى في مكان مّا غير محدّد ولكنه ليس بالبعيد عنها كثيرًا، نور أشعة الشمس (الدافئ).

    ولكنّ الامتحان كان لم ينته بعدُ 

  • arrow
    arrow

    فقد لاحت لها من بعيد دودة قبيحة – هي أشبه ما تكون بثعبان سمين. 
     
    وسبحت هذه الدودة نحو البذرة الصغيرة ببطء، وهي تنظر إليها بتفرّس وكأنها تُريد أن تعرف نقاط ضعفها.

    لم تكن الدودة بقوّة وغلظة المخلوقات الشريرة للعوالم الأخرى ولكنها كانت أكثر دهاءًا. وخاطبت البذرة بصوت متملّق :"أنت محظوظة يا زهرة اللوتس الصغيرة- فالآن بإمكاننا أن ندعوك هكذا-، عالمنا هذا عالم سلام، لا تعصف فيه ريح، وهو ليس قاتمًا كثيرًا. قواعد العيش هنا بسيطة وسهلة : أوّلاً إن كنت لا تُريدين القيام بشيءٍ مّا فلا تقومي به، لست في حاجة كذلك إلى التعلّم أو إلى قطع مسافات طويلة، فنحن (نعمل بالقرب من صعوباتنا). ثانيًا، نحن لا نحتاج إلى الأصدقاء، لأنه عندما يكون لديك أصدقاء فسيكون عليك أحيانًا أن تتحمّلي مزاجهم السيّئ، أو أن تساعديهم عندما يمرّون بأوقات صعبة.  

  • arrow
    arrow

    ثالثًا، إن قال أحدهم لك شيئًا غير لطيف، فأطلقي العنان لنفسك ولا تُحجمي عن الردّ عليه بأسوأ عبارات يُمكن أن تخطر ببالك..." 
    كانت البذرة الصغيرة تفكّر :"بدون شكّ إنه لأمر مُغرٍ (أن يعيش المرء حياة ليس فيها بذل جهود)...ولكن مهلاً، لن يكون بإمكاني تعلّم أيّ شيء جديدٍ هنا. ثمّ إن الحياة بلا أصدقاء ستكون مُملّة. لا هذا غير مُحتمل ! لا ! لا !...أنا لديّ كلّ ما أحتاجه لأهرب من هذا العالم المعتّم

    الرتيب !" 
    كان الكنز الثالث جاهزًا لمساعدة زهرة اللوتس الصغيرة. فقد أشرق نجم الصبر وتفتّح في قلبها، وسرعان ما انبثقت كرة مُضيئة من نور، تتلألأ كالدرّة السنيّة، وضمّتها داخلها وبدأت في الصعود

  • arrow
    arrow

    أمّا الدودة والتي كان اسمها "الكسل" فقد بقيت هناك في مكانها وأخذ حجمها يتضاءل ويتضاءل إلى أن اختفت تمامًا.

    أصبح بريق الشمس ساطعًا أكثر فأكثر وتوهّج الماء بالضوء أكثر فأكثر. لقد اشتدّ عود زهرة اللوتس وصارت أقوى، ونمت ساقها بشكل أسرع، وكانت الآن ثابتة وواثقة من نفسها. لقد فارقت كلاّ من العالم القاتم والعالم الداكن والعالم المعتّم وتركتها في الأسفل بعيدًا، بعيدًا عنها.

    وقد انتفت الحواجز الآن بين الماء والهواء، وانبثقت زهرة اللوتس الصغيرة ظاهرة على سطح ماء البحيرة الساحرة.  

  • arrow
    arrow

    "مرحبًا بك في منزلك يا زهرة اللوتس الصغيرة !" لقد كان هذا صوت زهرة اللوتس البيضاء الكبرى. "أمّا الآن وقد صرت جميلة وقويّة، فتستطيعين أن تكوني عونًا للآخرين بقوّتك، وأن تُمتّعي ناظر العالم بجمالك البديع وبهائك."

    ونظرت زهرة اللوتس الصغيرة إلى صورتها على سطح الماء...ويا لجمال ما رأت : رأت زهرة رائعة ببتلات شفّافة ومتلألئة. 
    وفي كلّ الأرجاء المُحيطة كان المزيد والمزيد من زهور اللوتس يظهر. كلّ واحدة من تلك الزهور كانت قد اجتازت طريقها (إلى النهاية)، وهاهي الآن ترفل في جمالها الخلاّب. ولو

    دنوتَ ونظرت إليها عن قرب أكثر، لرأيت هيئتها المُشرحة التي تبعث على الأمل وتخالها تقول لك : 
    "(أنت أيضًا) اسلك طريقك بنجاح."

arrow
book
ي مكان رحبٍ وجميل يعزف فيه الصمت كأنه موسيقى ويهبّ فيه نسيم عذب كأنه العسل في عذوبته، تقع هناك بحيرة ساحرة. عند كلّ صباح، وفوق المياه الزرقاء الصافية للبحيرة، يتفتّح جمعٌ من زهور اللوتس الرائعة، يتمتّعن بالعالم الجميل من حولهنّ ويتشاركن جميعًا هذه السعادة. كلّ واحدة من زهور اللوتس تلك كانت فريدة في جمالها ونُبلها وألقها : كانت هناك منهنّ البيضاء، والوردية، والحمراء، وحتّى الصفراء، والزرقاء،...وكانت مياه البحيرة الساحرة تعكس جمالهنّ.


وفي أحد الأيام حدث شيء غير معتاد في تلك البحيرة...
في مكان رحبٍ وجميل يعزف فيه الصمت كأنه موسيقى ويهبّ فيه نسيم عذب كأنه العسل في عذوبته، تقع هناك بحيرة ساحرة. عند كلّ صباح، وفوق المياه الزرقاء الصافية للبحيرة، يتفتّح جمعٌ من زهور اللوتس الرائعة، يتمتّعن بالعالم الجميل من حولهنّ ويتشاركن جميعًا هذه السعادة. كلّ واحدة من زهور اللوتس تلك كانت فريدة في جمالها ونُبلها وألقها : كانت هناك منهنّ البيضاء، والوردية، والحمراء، وحتّى الصفراء، والزرقاء،...وكانت مياه البحيرة الساحرة تعكس جمالهنّ.

وفي أحد الأيام حدث شيء غير معتاد في تلك البحيرة...

لقد تكلمت زهرة اللوتس البيضاء الكبرى إلى البذور الصغيرة التي رأت النور وبدأت تنضج في الميسم الواقع في قلبها :
"بناتي العزيزات! الآن أنتنّ أصبحتنّ ناضجات، وآن الأوان لكي تشقّ كلّ منكنّ طريقها. أمام كلّ واحدة منكنّ رحلة شاقّة ومحفوفة بالمخاطر، ولكن في نهاية الرحلة بإمكانها أن تصبح زهرة جميلة ومتألّقة بجمال وألق سكّان عالمنا. ولكن لن يكون بإمكانكنّ كلّكنّ إتمام هذه الرحلة إلى النهاية بنجاح والعودة إلى المنزل الأمّ.
لذا استمعن إليّ بانتباه، لأنّ ما سأقوله لكنّ هو حكمة قديمة تمّ توارثها جيلاً بعد جيل...


داخل كلّ واحدة منكنّ تقبع ثلاثة كنوز لا تُشترى حتّى بالذهب. عندما تكنّ في خطر، إن كنتنّ قادرات على تذكّر هذه الكنوز الثلاثة، ستتمكّنّ من تجاوز أخطر الصعاب. هذه الكنوز الثلاثة هي
zhen

الصبر

shan

الرحمة

ren

الحق

ليس هناك وضعيّة لا يمكن لهذه الكنوز الثلاثة أن تنقذكنّ فيها. هذه الكنوز الثلاثة مُخبّأة في الكتابات القديمة على شكل رموز. ولكن استمعن إليّ، سأقول لكنّ المزيد..."- وهمست زهرة اللوتس البيضاء الكبرى بنصيحتها الأخيرة للبذور.

وأخيرًا قالت لهنّ :"أنا أثق في كلّ واحدة منكنّ، وسأكون بانتظاركنّ عندما تعُدن أخيرًا إلى منزلكنّ وتُشرقن على سطح مياه البحيرة الساحرة
عند المساء، أحنى الميسم رأسه على صفحة الماء، وسقطت كلّ البذور في مياه البحيرة الساحرة. كانت إحدى البذور أسرع من الأخريات ؛ وكانت تتساءل في نفسها :"ترى لِمَ قالت زهرة اللوتس البيضاء الكبرى أنّ طريقنا لن يكون سهلاً ؟ الماء نقيّ وصافٍ، ويمكنني أن أرى حتّى انعكاس الشمس في هذا الصفاء." لقد كانت البذرة الصغيرة بريئة جدّا ولم تكن تعلم أن السقوط إلى الأسفل أصعب بكثير من الصعود إلى الأعلى.

وكلّما غاصت البذرة الصغيرة إلى الأعماق أكثر، كلّما أصبح الماء مظلمًا وقاتمًا أكثر، إلى أن أصبح كلّ ما حولها طينًا ووحلاً. فأنّت بذرة اللوتس الصغيرة باكية :"أوه ! لا أستطيع رؤية شيء هنا !" ولكنها واصلت السقوط وغاصت أعمق وأعمق في الوحل...ومن شدّة خوفها أغمضت عينيها.
بعد مرور بعض الوقت، قرّرت البذرة الصغيرة أن

تفتح عينًا، ثمّ فتحت العين الأخرى، لكنها ظلّت غير قادرة على رؤية أيّ شيءٍ. "أين سأذهب الآن ؟ أين طريق منزلي ؟ كيف سأتمكّن من العودة ؟" وكأنّ الإجابة على سؤالها أتتها إذ سمعت أصواتًا غريبة، خشنة ومُتهدّجة ؛ وكان هناك شيء مّا، مظلم وطويل، يُسرع باتّجاهها.

حينها تمكّنت البذرة الصغيرة من الرؤية : لقد كان تمساحًا ضخم الهيئة. لقد كان اسم الحيوان مكتوبًا فوق ظهره، ولكن في ذلك المكان الحالك كان من المستحيل قراءة ما هو مكتوب. وأخذ ذلك الكائن يتكلّم بصوت قادم من الأعماق ومُرعب :"أيّتها البذرة الصغيرة ! أيّتها البذرة الصغيرة ! لقد كنت أنتظرك. هناك حياة جديدة تنتظرك. وأنا أودّ أن أقدّم لك نصيحة ثمينة
مكن أن تعرض لك مختلف الوضعيّات في الحياة. يمكن أحيانًا أن يصطدم بك أحدهم على سبيل الخطأ- فعلى كلّ حال المكان مظلمٌ جدّا هنا- ويمكن أيضًا أن يقول لك أحدهم شيئًا سيّئًا أو جارحًا بسبب مزاجه السيّء- وفي معظم الأحيان سكّان عالمنا هنا يكون مزاجهم سيّئًا-، عندما يحدث ذلك لا تتركي الأمر أبدًا يمرّ ببساطة، أرجعي لهم المكيال بمكيالين أو ثلاثة، اضربي بأشدّ ما تستطيعين من قوّة، لكي يعرف الآخرون..."وواصل الكائن الغريب حديثه بحماس.

كانت البذرة الصغيرة خائفة كثيرًا، وفكّرت في نفسها :"ربما يكون الأمر هكذا بالفعل، وإلاّ فكيف يمكن للمرء أن يعيش في هذا المكان الكريه بغير تلك الطريقة ؟" ولكنها فجأة تذكّرت كلمات زهرة اللوتس البيضاء الكبرى، وفكّرت :"إن اتّبعتُ نصيحة هذا الكائن، سأبقى هنا للأبد ولن أغادر هذا المكان القذر، ولن يمرّ وقت طويل حتى أصبح قبيحة المنظر كبقيّة سكان هذا العالم
ولكنّ تمساح الأعماق، ذلك المخلوق المتوحش، أخذ يقترب منها شيئًا فشيئًا. لو أنّ

البذرة الصغيرة كانت قد اتّبعت ولو جزءًا صغيرًا من نصيحته، لكان التمساح قضم قطعة صغيرة منها- ففي ذلك العالم لا شيء يُعطى مجانًا، ولا حتّى النصائح- لو أنّ ذلك حصل لما ظلّت البذرة الصغيرة قادرة على الرجوع وعلى أن تصير زهرة جميلة على البحيرة الساحرة.

"كلّ مشكلة لا بدّ لها من حلّ مّا ! كلّ مشكلة لا بدّ لها من حلّ مّا !" هذا ما كانت البذرة الصغيرة تردّده في نفسها. وفجأة تذكّرت ما أسرّته زهرة اللوتس البيضاء الكبرى بشأن الكنوز الثلاثة
"تذكّرن دائمًا أنه في أعماق كلّ واحدة منكنّ تختبئ ثلاثة كنوز متلألئة وذات قدرة عجيبة
zhen

الصبر

shan

الرحمة

ren

الحق

عندما يحين الوقت، هذه الكنوز الثلاثة ستساعدكنّ."
في تلك اللحظة وقعت معجزة !

في نفس اللحظة التي رفضت فيها البذرة الصغيرة الأخذ بالنصيحة السيئة، لمع شعاع مضيء من الرحمة وغمرها بنوره، مثل النجمة البراقة التي تُنير ما حولها. وفي ذلك الحين أصبح اسم الوحش المكتوب على ظهره واضحًا للعيان :"الشرّ". وإذا بقوّة غريبة تدفع البذرة الصغيرة فجأةً إلى الأعلى، كما لو كانت على متن أرجوحة عظيمة
وتدريجيّا، ظهر عالم جديد مختلف تماما عن سابقه. لقد صار عالم الظلمات السحيقة في القاع بعيدًا جدّا الآن، وألفت البذرة الصغيرة نفسها في جوّ رماديّ داكن.

لقد كان بإمكان البذرة الصغيرة أن تتنفّس بسهولة أكثر الآن. ونظرت حولها، وسرعان ما أدركت شيئًا مّا :"أوه ! لقد نمت لي بتلتان ! هذا رائع ! أنا بصدد التّحوّل إلى زهرة


حقيقية !"

ولكنّ فرحتها لم تدم طويلاً
فمن داخل ذلك المحيط الداكن انبثق علجوم لزج مغطّى بالبثور، وجدّف باتّجاه البذرة بسيقانه الضخمة المكفّفة، ونقّ قائلاً :"مرحبًا بك في عالمنا أيتها البذرة الصغيرة ! قواعدنا هنا بسيطة : كلّ يعيش لنفسه، لا نُساعد أحدًا. كلّ واحد يُحافظ على مصالحه الخاصّة، مهما يكن الثمن ؛ ومن أجل تلك الغاية بإمكان المرء أن يكذب أيضًا. إن فعلتِ شيئًا خاطئًا، بكلّ بساطة حمّلي مسؤولية الخطأ شخصًا آخر. إذا كنت ستتقاسمين بعض الحلوى مع شخص آخر افعلي ذلك كالتالي : خمسة قطع حلوى لك، وقطعة واحدة للشخص الآخر..."

اتّسعت عينا البذرة الصغيرة دهشة ممّا سمعته، وبقيت تنظر مُرتاعة إلى المخلوق الذي تفوّه بهذه الأشياء الغريبة. كم كانت تلك الأشياء مختلفة عمّا علّمتها إيّاه زهرة اللوتس البيضاء الكبرى !
هذه المرة أتت في ذهنها فكرة الكنوز الثلاثة بشكل أسرع من المرّة الفارطة، لأنّ البقاء في العالم الرمادي الداكن والعيش وفق قواعد هذا العلجوم كان أبعد ما يكون عمّا تتوق إليه البذرة الصغيرة. في تلك الآونة أضاء قبس كنز الحقّ كشعاع منارة. وأتت غلالة واقية غطّت البذرة الصغيرة ودفعتها إلى الأعلى، في الوقت الذي انكشف فيه للعيان ما كان مكتوبًا على ظهر العلجوم :"الغشّ".
وجدت البذرة الصغيرة الآن نفسها في عالم معتّم غائم، ولكنها كانت تُحرّك بسعادة بتلاتها الستّة من حولها ! نعم ! لقد تضاعف عدد البتلات الآن ثلاث مرّات، لأنه مع كلّ انتصار، كانت البذرة

الصغيرة تصبح أقوى. وصار بإمكانها الآن أن ترى في مكان مّا غير محدّد ولكنه ليس بالبعيد عنها كثيرًا، نور أشعة الشمس (الدافئ).

ولكنّ الامتحان كان لم ينته بعدُ
فقد لاحت لها من بعيد دودة قبيحة – هي أشبه ما تكون بثعبان سمين.

وسبحت هذه الدودة نحو البذرة الصغيرة ببطء، وهي تنظر إليها بتفرّس وكأنها تُريد أن تعرف نقاط ضعفها.

لم تكن الدودة بقوّة وغلظة المخلوقات الشريرة للعوالم الأخرى ولكنها كانت أكثر دهاءًا. وخاطبت البذرة بصوت متملّق :"أنت محظوظة يا زهرة اللوتس الصغيرة- فالآن بإمكاننا أن ندعوك هكذا-، عالمنا هذا عالم سلام، لا تعصف فيه ريح، وهو ليس قاتمًا كثيرًا. قواعد العيش هنا بسيطة وسهلة : أوّلاً إن كنت لا تُريدين القيام بشيءٍ مّا فلا تقومي به، لست في حاجة كذلك إلى التعلّم أو إلى قطع مسافات طويلة، فنحن (نعمل بالقرب من صعوباتنا). ثانيًا، نحن لا نحتاج إلى الأصدقاء، لأنه عندما يكون لديك أصدقاء فسيكون عليك أحيانًا أن تتحمّلي مزاجهم السيّئ، أو أن تساعديهم عندما يمرّون بأوقات صعبة.
ثالثًا، إن قال أحدهم لك شيئًا غير لطيف، فأطلقي العنان لنفسك ولا تُحجمي عن الردّ عليه بأسوأ عبارات يُمكن أن تخطر ببالك..."
كانت البذرة الصغيرة تفكّر :"بدون شكّ إنه لأمر مُغرٍ (أن يعيش المرء حياة ليس فيها بذل جهود)...ولكن مهلاً، لن يكون بإمكاني تعلّم أيّ شيء جديدٍ هنا. ثمّ إن الحياة بلا أصدقاء ستكون مُملّة. لا هذا غير مُحتمل ! لا ! لا !...أنا لديّ كلّ ما أحتاجه لأهرب من هذا العالم المعتّم

الرتيب !"
كان الكنز الثالث جاهزًا لمساعدة زهرة اللوتس الصغيرة. فقد أشرق نجم الصبر وتفتّح في قلبها، وسرعان ما انبثقت كرة مُضيئة من نور، تتلألأ كالدرّة السنيّة، وضمّتها داخلها وبدأت في الصعود
أمّا الدودة والتي كان اسمها "الكسل" فقد بقيت هناك في مكانها وأخذ حجمها يتضاءل ويتضاءل إلى أن اختفت تمامًا.

أصبح بريق الشمس ساطعًا أكثر فأكثر وتوهّج الماء بالضوء أكثر فأكثر. لقد اشتدّ عود زهرة اللوتس وصارت أقوى، ونمت ساقها بشكل أسرع، وكانت الآن ثابتة وواثقة من نفسها. لقد فارقت كلاّ من العالم القاتم والعالم الداكن والعالم المعتّم وتركتها في الأسفل بعيدًا، بعيدًا عنها.

وقد انتفت الحواجز الآن بين الماء والهواء، وانبثقت زهرة اللوتس الصغيرة ظاهرة على سطح ماء البحيرة الساحرة.
"مرحبًا بك في منزلك يا زهرة اللوتس الصغيرة !" لقد كان هذا صوت زهرة اللوتس البيضاء الكبرى. "أمّا الآن وقد صرت جميلة وقويّة، فتستطيعين أن تكوني عونًا للآخرين بقوّتك، وأن تُمتّعي ناظر العالم بجمالك البديع وبهائك."

ونظرت زهرة اللوتس الصغيرة إلى صورتها على سطح الماء...ويا لجمال ما رأت : رأت زهرة رائعة ببتلات شفّافة ومتلألئة.
وفي كلّ الأرجاء المُحيطة كان المزيد والمزيد من زهور اللوتس يظهر. كلّ واحدة من تلك الزهور كانت قد اجتازت طريقها (إلى النهاية)، وهاهي الآن ترفل في جمالها الخلاّب. ولو

دنوتَ ونظرت إليها عن قرب أكثر، لرأيت هيئتها المُشرحة التي تبعث على الأمل وتخالها تقول لك :
"(أنت أيضًا) اسلك طريقك بنجاح."
arrow